معلومات اتصالك من الفرسان

معلومات اتصالك في الانترنت

.: انت زائر رقم :.


بحث مخصص

بيت راس.. «كبيتولياس» »

الناس في «بيت راس» طيبون..
وهم يعلمون قيمة قريتهم،ويصرحون بأنهم يقيمون حقيقة في متحف ثمين،ويواطنون إرثا عتيقا،ولذلك فهم يحاولون ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا الحفاظ على هذا الإرث،حتى أنهم تخلوا عن أراضيهم،وبيوتهم،حين تم اكتشاف المسرح الروماني فيها..
ولعل ثراء سيرتهم مع المكان ليس أقل زخما،ومعنى، من سيرة المكان ذاته،واذا كان تعداد السكان فيها الآن يقارب الثمانية عشر ألفا،ففي فترات وأزمنة سابقة اختلف هذا العدد كثيرا اعتمادا على ما وصلنا من وثائق،وكتابات،فبيت راس كانت مدينة ايام الرومان،ولذلك فإنه سيلاحظ الفرق واضحا بين تعدادها السكاني في القرن الأول الميلادي وبين ماهي عليه في بداية الألفية الثالثة،حيث أن هذا التعداد تراوح بين زيادة ونقصان لم يثبت على رقم واحد طيلة خط الزمن عبر السنوات تلك.
في الوثائق العثمانية هناك اشارة إلى أن قرية بيت راس كان تعدادها في مطلع عهد السلطان سليمان القانوني يبلغ (2 خانة)،أي عائلتان فقط،أما في سنة 950هـ/1543م فقد بلغ العدد 5 خانة(عائلة)،بينما في عام 1005هـ/1596م بلغ 30 خانة و 10 مجرد(فرد).
ثم ينداح الزمن حتى عام 1879م حين زارها الرحالة «لورنس اليفانت» وكما ذكرنا سابقا فقد وجد عدد سكانها يتراوح بين 40 و 50 نسمة،وبعد ذلك التاريخ بأقل من عشر سنين يذكر الألماني شوماخر أن عدد سكان بيت راس حوالي 170 شخصا،وها هو العدد يختلف كثيرا الآن،ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الخريطة السكانية لبيت راس تشير إلى أن معظم سكان القرية ينضوون تحت مظلة أربع عائلات هي الحموري،والهيلات،والطعاني،والشوحة،وهم منذ زمن متآلفون في هذا المكان.

الجامع القديم

شارع القرية هو نبضها،وهو صانع فعل الحياة فيها من خلال حركة أولئك الذين واطنوا بيت راس مذ بداية وجودها،ولذلك فلا بد بعد تلك الإطلالة على طبيعة المجتمع على مر العصور،من البحث في ذاكرة شارع القرية الرئيسي،والى الجانب منه يقع هناك السوق القديم،وعلى الزاوية الأخرى يوجد الجامع،وهذا الثالوث يشكل ركيزة اساسية من تاريخ القرية.
ولو بدأنا بالجامع وتتبعنا مراحل تكوينه،فإننا نجد أنفسنا أمام ما ذكره شوماخر في فقرة من كتابه مشيرا إلى هذا المكان: «وفي داخل البلدة بقايا جامع طوله 87 قدما وعرضه 43 قدما، والى الشرق من الجامع بقايا كنيسة ومبان قديمة اخرى».
وها أنا أزور الجامع،الآن،المعروف بجامع بيت راس القديم،والذي كان قائما منذ عهد قديم،وقد تم إكمال الأجزاء المفقودة منه في الفترة العثمانية جاعلين له أرضية حجرية مأخوذة من حجارة شارع الأعمدة .
والوصف الذي يعطيه شوماخر للجامع تغير كثيرا الآن،وقد اقتربنا على المئة والعشرين سنة منذ زيارته له،حيث أضيفت عليه عدة اضافات،يتذكر بعضها كبار القرية الذين يقولون بأن احد الترميمات كان قبل 35 سنة،ومرة اخرى قبل عشرين سنة،حيث تغيرت ملامحه،فصار سقفه من الاسمنت والحديد،بعد ان كان من التراب والقصيب،ويشير المعمر الحاج مطر حسين لافي«أبو سهيل» إلى أن «الناس اشتغلوا بترميم الجامع،أيام التراب والتبن والحجارةوالطين،ومن اللي عمرو فيه واحد أساسو فلسطيني».
وفي المدى القريب جرى توسعة الجامع مرة اخرى،ويقال أنه كان له من الجهة الجنوبية درج حجري قديم وقد أزالوه مع الترميم وحولوه إلى الجهة الشمالية، وكان المؤذن يصعد الى سطح المسجد من هذا الدرج،ويؤذن.
والجهة الشرقية التي جرى التوسعة نحوها كان فيها قبل ذلك ديوان عشيرة الحموري،وقد تبرعوا بها إلى الجامع حين صارت النية لتوسعته،وهم ا لآن يقيمون بناء جديدا لديوانهم قريبا من الجامع.

الشارع والحوانيت

أما شارع الأعمدة فيقع مكانه الآن شارع اسفلتي،ولا أثر لتلك الملامح القديمة للشارع الروماني العتيق،إلا أن الحوانيت التسعة العتيقة المجاورة للشارع والتي كانت تشكل جزءا من سوق بيت راس، فهناك درب ضيق يفضي اليها بجانب الشارع،وهناك أسلاك شائكة تحيط بها،وتمتد حتى تصل جدار الجامع،وقد كانت في ما مضى سوقا تجاريا يعود للعصر الروماني حوالي القرن الثاني الميلادي بنيت بشكل أقبية تفتح على ساحة،ثم استخدمت هذه الحوانيت لاحقا في العصر البيزنطي وجدد استخدامها في العصرين الأموي والمملوكي للسكن،كما أنه تم الكشف قرب هذه الحوانيت عن بقايا كنيسة بيزنطية.
لكن الكتابات القديمة تشير إلى اثنتي عشرة قنطرة كانت في القرن الثامن عشر،ودليلنا هنا ما وصفه لنا من تلك المساحة من القرية الرحالة الدكتور سيلاه مرل حين زارها عام 1876م حيث يقول:«أما الطريق السائر إلى الشرق فتحيط الأعمدة بجانبها.ومن الواضح أن جزءا كبيرا من آثار المدينة القديمة مطمور تحت الأرض.إذ يمكن احصاء اثنتي عشرة قنطرة بديعة،تحاذي الواحدة منها الأخرى وتوازي ظهورها العليا سطح الشارع،وقد شاهدنا الناس ينزلون في هذه المساكن الأرضية،وحدثنا أهل القرية عن طريق قديمة كانت تأتي من أم قيس ،مرورا بعدة قرى في سيرها نحو الشرق.وكانت أحدى الكتابات التي شاهدتها على الحجارة بالخط النبطي».


حديث الشعراء

القرية منذ أن كانت في بدايتها الأولى وهي تترك في الوجدان أثرا،ونبضا طيبا،لأن «بيت راس» لم تكن محصورة في هذه الجغرافيا فقط،بل ان اسمها ارتحل إلى الآفاق البعيدة،وذاع صيتها،مرة لكونها احدى المدن العشر،ومرة لأنها منتجع الخلفاء والأمراء،ومرات عديدة لكثرة كرومها،ولطيب الخمرة التي كانت تصنع فيها،وتحملها القوافل إلى كل بقاع المعمورة،حتى أن فحول الشعراء تغنوا بها،ورددوا اسمها،فخلدوها على كل لسان.
نتذكر في التاريخ الحديث من الأردن الشاعر مصطفى وهبي التل «عرار» الذي كان دائم الذكر لها في قصائده مثل:
أشف لي غصتي وخلاك ذام
بكأس من سلافة بيت راس
فإن الدهر أثخنني جراحا
وعز علي في دنياي آس
وأيضا:
وواحنيني إلى كأس مشعشعة
بماء «راحوب» والدنان «بتراسي»
وضجعة فوق جرعاء الحمى ورؤى
تطغى علي،اذا ما لج احساسي
لكن العودة إلى مئات السنين تعيدنا إلى شعراء فحول ذكروها في قصائدهم مثل حسان بن ثابت الذي قال:
«كأن سبيئة من بيت راس
يكون مزاجها عسل وماء
على أنيابها أو طعم غض
من التفاح هصره اجتناء
اذا ما الأشربات ذكرن يوما
فهن لطيب الراح الفداء
ونشربها فتتركنا ملوكا
وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
علي فيها اذا مالليل قلت
كواكبه ومال بها الغطاء

كما أنه ذكرها في قصيدة اخرى قائلا:
لمن الدار أقفرت بمعان
بين شط اليرموك فالخمان
قد عفا جاسم إلى بيت راس
فالجوابي فحارث الجولان

وفي موضع ثالث قال:
شج بصهباء لها سورة
من بيت راس عتقت في الختام

أما أبو النواس فقال فيها:
دثار من غنية أو سليمى
أو الدهماء أخت بني الحماس
كأن معاقد الأوضاح منها
بجيد أغن ، نوم في كناس
وتبسم عن أغر،كان فيه
مجاج سلافة من بيت راس

وقال عدي بن الرقاع العاملي شاعر الوليد بن عبد الملك:
فكأني من ذكركم خالطتني
من فلسطين جلس خمر عقار
عتقت في الدنان من بيت راس
سنوات وما سبتها التجار
فهي صهباء تترك المرء أعشى
في بياض العينين منها احمرار

كما ذكرها النابغة الذبياني بقوله:
كأن مشعشعا من خمر بصرى
نمته البخت مشدود الختام
حملن قلاله من بيت راس
إلى القمان في سوق مقام
وقال ابو العلاء المعري في اللزوميات:

كأن سبيئة في الرأس منها
ببيت فم سبيئة بيت رأس

يزيد وحبابة

تتذكر القرية أنه في قديم تاريخها دخلها القائد شرحبيل بن حسنة بدون قتال وظلت عامرة ومزدهرة في العصور الاسلامية،وكانت من الأماكن المحببة لدى بعض الخلفاء الأمويين وكانت بالنسبة لهم مكانا يرتاحون فيها،ويتنزهون،ويلهون،ومن أشهر الخلفاء الذين ترددوا عليها الخليفة يزيد بن عبد الملك ومعه جاريته حبابة.
ومسطور في الكتب القديمة تفاصيل تقول بأن الخليفة وجاريته خرجا ذات يوم معا يتنزهان في بيت راس،وخلا يزيد بن عبد الملك وحبابة في احد البساتين،وعندما كانا يأكلان شرقت حبابة بحبة رمان،فماتت،وهناك روايات اخرى تقول انه رماها بحبة عنب فشرقت وماتت،ومن شدة حبه لها تركها ثلاثة ايام ولم يدفنها حتى انتنت حيث كان يشمها ويقبلها،وقد تأثر كثيرا على فراقها فوقف على قبرها وأنشد:
«فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا
فباليأس أسلو عنك لا بالتجلد»
وتقول الروايات،أيضا، أنه من شدة ولعه بها،وتأثره عليها مات بعدها بأيام قليلة في اربد سنة 724م.

ذاكرة الحاج مطر

يتحدث معمر القرية الحاج مطر حسين لافي«أبو سهيل»،قائلا بأنه غير متأكد من سنة ميلاده،غير اننا نخمن أنه قارب على التسعين عاما،لكنه يقول:«أنا من مواليد بيت راس، وأول ما سجلت بالجيش عايام أبو فارس(ويقصد هنا كلوب باشا)كان عمري سطعش السنة(16 سنة)،وكان بهظاك الزمن يجي واحد بسياره،ويجمع الشباب اللي بدو يتجند،ورحت لعمان،وبعديها اخذونا لفلسطين،وخدمت بحيفا ويافا وصرفند،ورام الله والقدس.لكن لما كنت في حيفا خدمت بالمينا هناك،وكان المسؤولين عنا انجليز،وكان راتبي بهظاك الوقت اربع جنيهات فلسطينية،ورجعت عالأردن في عام 1950 بعد الخدمه هناك».
وعن القرية،وكيف كانت الأوضاع فيها في تلك الفترة، وما سبقها يقول «ان البدو كانوا متسلطين على الفلاحين،وكانوا يتجمعوا مع بعضهم في القرى حتى يقووا بعظهم ضد الهجمات عليهم،وكانوا قراب من بعض ومتكاتفين،وكان بعضهم يسكن بالمغارة اللي فوق براس التل واسمها«عراق الهيلات»،هذي كبيره وتسع الجميع،والشارع اللي بنص القرية بتذكروا كان من حجاره مرصوفة قديمة،والعمدان حواليه واقعه،وفي ناس اخذوا منها وعمروا منه دورهم،وناس ثانيين باعوا من هالعمدان».

سيرة الشهداء

وإذا كانت بيت راس تحمل تاريخا عظيما ففي عمقها أيضا روح متأصلة للفداء،حيث أن ناسها يتذكرون ما قدمت القرية من شهداء في الحروب المتتالية،وهم يشيرون عند ذكر الوطن والانتماء شهداء القرية الذين منهم المرحوم غازي زيدان مصطفى الحموري الذي استشهد على اسوار القدس،وعلي مصطفى الشوحه،واحمد نجيب الخلف الحموري،وخلف سالم الفايز الطعاني،ومحمد احمد السليمان الحموري.

الطبابة والبريد

رغم ان المركز الصحي حديث في القرية الا ان اهل بيت راس يتذكرون انه في مرحلة ماضية كان مكان الطبابة عندهم مكونا من بناء صغير وقديم،وكان فيه كل طبيبين بغرفة .
لكن ذاكرة مكتب البريد في القرية أقدم،فقد كان مكتب البريد عبارة عن بقالة «أبو شبيب» وهو محمد طالب الحموري،حيث كان عنده في هذا الدكان تلفون «مانويل» قديم،ومن يريد الاتصال بأي احد خارج القرية عليه أن يحضر الى أبي شبيب ليقدم له هذه الخدمة.
وبذلك يمكن تتبع سيرة البريد في بيت راس من هناك وأنه تأسست شعبة بريد في عام 1963،وتم تحويلها إلى مكتب بريد عام 1969،وما زال هذا المكتب عاملا يقدم خدماته حتى الآن.
بحث مخصص